فصل: ومن باب الصلاة بمنى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب موضع الوقوف بعرفة:

قال أبو داود: حدثنا ابن نفيل حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن يزيد بن شيبان قال أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن بعرفة في مكان يباعده عمرو عن الإمام فقال: «إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم فقال يقول لكم قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم».
المشاعر المعالم وأصله من قولك شعرت بالشيء أي علمته وليت شعري ما فعل فلان أي ليت علمي بلغه وأحاط به يريد قفوا بعرفة خارج الحرم فإن إبراهيم هو الذي جعلها مشعرا وموقفا للحاج، وكان عامة العرب يقفون بعرفة وكان قريش من بينها تقف داخل الحرم وهم الذين كانوا يسمون أنفسهم الحمس وهم أهل الصلابة والشدة في الدين والتمسك به، والحماسة الشدة يقال رجل أحمس وقوم حمس.
وكانوا يزعمون إنا لا نخرج من الحرم ولا نخليه فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من فعلهم وأعلمهم أنه شيء قد أحدثوه من قبل أنفسهم وأن الذي أورث إبراهيم من سنته هو الوقوف بعرفة.
واختلفوا فيمن وقف من عرفة ببطن عرنة فقال الشافعي لا يجزئه حجه. وقال مالك حجه صحيح وعليه دم.

.ومن باب الدفع من عرفة:

قال أبو داود: حدثنا وهب بن بيان حدثنا عبيدة حدثنا سليمان الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: «أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ثم أردف الفضل بن عباس وقال أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة قال فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى» منى.
قوله: «أفاض» معناه صدر راجعا إلى منى وأصل الفيض السيلان يقال فاض الماء إذا سال وأفضته إذا أسلته، والإيجاف الإسراع في السير يقال وجف الفرس وجيفا وأوجفه الفارس إيجافا قال الله تعالى {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} [الحشر: 6].
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: «سأل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع قال كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص».
العنق السير الوسيع والنص أرفع السير وهو من قولهم نصصت الحديث إذا رفعته إلى قائله ونسبته إليه ونصصت العروس إذا رفعتها فوق المنصة. والفجوة الفرجة بين المكانين، وفي هذا بيان أن السكينة والتؤدة المأمور بها إنما هي من أجل الرفق بالناس لئلا يتصادموا فإذا لم يكن زحام وكان في الموضع سعة سار كيف شاء.

.ومن باب الصلاة بجمع:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا».
قلت: هذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الجمع بين هاتين الصلاتين بالمزدلفة في وقت الآخرة منهما كما سن الجمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الأولى منهما ومعناه الرخصة والترفيه دون العزيمة إلاّ أن المستحب متابعة السنة والتمسك بها.
واختلفوا فيمن فرق بين هاتين الصلاتين فصلى كل واحدة منهما في وقتها أو صلاهما قبل أن ينزل المزدلفة، فقال أكثر الفقهاء إن ذلك يجزئه على الكراهة لفعله. وقال أصحاب الرأي إن صلاهما قبل أن يأتي جمعا كان عليه الإعادة وحكي نحو من هذا عن سفيان الثوري غير أنهم قالوا إن فرق بين الظهر والعصر أجزأه على الكراهة لفعله ولم يروا عليه الإعادة.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول: «دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال وتوضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة فقال الصلاة أمامك فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزل ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا».
قلت: قوله: «الصلاة أمامك» يحتج به أصحاب الرأي فيما ذهبوا إليه من إيجاب الإعادة على من صلاها قبل أن يأتي المزدلفة، ومعناه عند من ذهب إلى خلاف مذهبهم الترخيص والترفيه دون العزيمة والإيجاب.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: «وجمع بينهما بإقامة».
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شبابة عن ابن أبي ذئب في هذا الحديث وقال بإقامة لكل صلاة ولم يناد في الأولى ولم يسبح على أثر واحدة منهما.
قال: وحدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان، عَن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامة واحدة».
قلت: اختلف الفقهاء في ذلك فقال الشافعي لا يؤذن ويصليهما بإقامتين وذلك أن الأذان إنما سن لصلاة الوقت. وصلاة المغرب لم تصل في وقتها فلا يؤذن لها كما لا يؤذن للعصر بعرفة وكذلك قال إسحاق.
وقال أصحاب الرأي يؤذن للأولى ويقام لها ثم يقام للأخرى بلا أذان، وقد روي هذا في حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله في قصة الحج أنه فعلها بأذان وإقامتين.
وقال مالك يؤذن لكل صلاة ويقام لها فيصليان بأذانين وإقامتين.
وقال سفيان الثوري يجمعان بإقامة واحدة على حديث ابن عمر من رواية أبي إسحاق، وقال أحمد أيها فعلت أجزأك.

.ومن باب يتعجل من جمع:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: «قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على جمرات وجعل يلطخ أفخاذنا ويقول أُبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس».
اللطخ الضرب الخفيف باليد يقال لطخه بيده لطخا. وهذا رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لضعفة أهله لئلا تصيبهم الحطمة وليس ذلك لغيرهم من الأقوياء وعلى الناس عامة أن يبيتوا بالمزدلفة وأن يقفوا بها حتى يدفعوا مع الإمام قبل أن تطلع الشمس من الغد. وفيه بيان أن الجمرة لا ترمى إلاّ بعد طلوع الشمس. وهذا في رمي الجمرة يوم النحر، فأما في سائر الأيام فإنه لا يرميها حتى تزول الشمس.
قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله أخبرنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: «أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَعني عندها».
قلت: واختلفوا في رمي الجمرة قبل الفجر فأجازه الشافعي ما دام بعد نصف الليل الأول واحتج بحديث أم سلمة. وقال غيره إنما هذا رخصة خاصة لها فلا يجوز أن يرمي قبل الفجر.
وقال أصحاب الرأي ومالك وأحمد بن حنبل يجوز أن يرمي بعد الفجر قبل طلوع الشمس ولا يجوز قبل ذلك.
قلت: والأفضل أن لا يرمي إلاّ بعد طلوع الشمس كما جاء في حديث ابن عباس.

.ومن باب يوم الحج الأكبر:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن محمد، عَن أبي بكرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان».
قوله: «إن الزمان قد استدار كهيئته» معنى هذا الكلام أن العرب في الجاهلية كانت قد بدلت أشهر الحرم وقدمت وأخرت أوقاتها من أجل النسيء الذي كانوا يفعلونه وهو ما ذكر الله سبحانه في كتابه فقال: {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} [التوبة: 37] الآية. ومعنى النسيء تأخير رجب إلى شعبان والمحرم إلى صفر وأصله مأخوذ من نسأت الشيء إذا أخرته ومنه النسيئة في البيع، وكان من جملة ما يعتقدونه من الدين تعظيم هذه الأشهر الحرم فكانوا يتحرجون فيها عن القتال وعن سفك الدماء ويأمن بعضهم بعضا إلى أن تنصرم هذه الأشهر ويخرجوا إلى أشهر الحل فكان أكثرهم يتمسكون بذلك ولا يستحلون القتال فيها، وكان قبائل منهم يستبيحونها فإذا قاتلوا في شهر حرام حرموا مكانه شهرا آخر من أشهر الحل ويقولون نسأنا الشهر واستمر ذلك بهم حتى اختلط ذلك عليهم وخرج حسابه من أيديهم فكانوا ربما يحجون في بعض السنين في شهر ويحجون من قابل في شهرغيره إلى أن كان العام الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف حجهم شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة فوقف بعرفة اليوم التاسع منه ثم خطبهم فأعلمهم أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان وعاد الأمر إلى الأصل الذي وضع الله حساب الأشهر عليه يوم خلق السموات والأرض وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا تتغير أو تتبدل فيما يستأنف من الأيام فهذا تفسيره ومعناه.
وقوله: «رجب مضر» إنما أضاف الشهر إلى مضر لأنها كانت تشدد في تحريم رجب وتحافظ على ذلك أشد من محافظة سائر القبائل من العرب فأضيف الشهر إليهم لهذا المعنى.
وأما قوله: «الذي بين جمادى وشعبان» فقد يحتمل أن يكون ذلك على معنى توكيد البيان كما قال في أسنان الصدقة فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ومعلوم أن ابن اللبون لا يكون إلاّ ذكرا ويحتمل أن يكون إنما قال ذلك من أجل أنهم قد كانوا نسؤوا رجبا وحولوه عن موضعه وسموا به بعض الشهور الأخر فنحلوه اسمه فبين لهم أن رجبا هو الشهر الذي بين جمادى وشعبان لا ما كانوا يسمونه على حساب النسيء.

.ومن باب من لم يدرك عرفة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا عامر أخبرني عروة بن مُضرِّس الطائي قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالموقف، يَعني بجَمْع فقلت جئت يا رسول الله من جبلي طيء أكللت مطيتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلاّ وقفت عليه فهل لي من حج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه».
قلت: في هذا الحديث من الفقه أن من وقف بعرفات وقفة ما بين الزوال من يوم عرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج.
وقال أصحاب مالك النهار تبع الليل في الوقوف فمن لم يقف بعرفة حتى تغرب الشمس فقد فاته الحج وعليه حج من قابل، وروى عن الحسن أنه قال عليه هدي من الإبل وحجه تام.
وقال أكثر الفقهاء من صدر من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم وحجه تام وكذلك قال عطاء وسفيان الثوري وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي وأحمد.
وقال مالك والشافعي فيمن دفع من عرفة قبل غروب الشمس ثم رجع إليها قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه.
وقال أصحاب الرأي إذا رجع بعد غروب الشمس ووقف لم يسقط عنه الدم، وظاهر قوله من أدرك معنا هذه الصلاة شرط لا يصح الحج إلاّ بشهوده جمعا وقد قال به غير واحد من أعيان أهل العلم، قال علقمة والشعبي والنخعي إذا فاته جمع ولم يقف به فقد فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة وممن تابعهم على ذلك أبو عبد الرحمن الشافعي وإليه ذهب محمد بن إسحاق بن خزيمة وأحسب محمد بن جرير الطبري أيضًا واحتجوا أو من احتج منهم بقوله سبحانه: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} [البقرة: 198] وهذا نص والأمر على الوجوب فتركه لا يجوز بوجه.
وقال أكثر الفقهاء إن فاته المبيت بالمزدلفة والوقوف بها أجزأه وعليه دم.
وقوله: «فقد تم حجه» يريد به معظم الحج وهو الوقوف بعرفة لأنه هو الذي يخاف عليه الفوات، فأما طواف الزيارة فلا يخشى فواته وهذا كقوله الحج عرفة أي معظم الحج هو الوقوف بعرفة.
وقوله: «وقضى تفثه» فإن التفث زعم الزجاج أن أهل اللغة لا يعرفونه إلا من التفسير قال وهو الأخذ من الشارب وتقليم الظفر والخروج من الإحرام إلى الإحلال وقال ابن الأعرابي في قوله ثم ليقضوا تفثهم أي قضاء حوائجهم من الحلق والتنظف.

.ومن باب يبيت بمكة ليالي منى:

قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني جرير أو ابن جرير الشك من يحيى أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر قال: «إننا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا بمكة فيبيت على المال فقال أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بات بمنى وظل».
قلت: واختلف أهل العلم في المبيت بمكة ليالي منى لحاجة من حفظ مال ونحوه وكان ابن عباس يقول لا بأس إذا كان للرجل متاع بمكة يخشى عليه أن يأت عن منى.
وقال أصحاب الرأي لا شيء على من كان بمكة أيام منى إذا رمى الجمرة وقد أساء. وقال الشافعي ليست الرخصة في هذا إلاّ لأهل السقاية ومن مذهبه أن في ليلة درهمًا وفي ليلتين درهمين وفي ثلاث ليال دم. وكان مالك يرى عليه في ليلة واحدة دمًا.

.ومن باب الصلاة بمنى:

قال أبو داود: حدثنا مسدد أن أبا معاوية بن يزيد وحفص بن غياث حدثاهم وحديث أبى معاوية أتم عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «صلى عثمان بمنى أربعا فقال عبد الله صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين زاد حفص ومع عثمان رضي الله عنهم صدرًا من إمارته ركعتين ثم أتمها. زاد من هنا، عَن أبي معاوية ثم تفرقت بكم الطرق، قال الأعمش وحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه أن عبد الله صلى أربعا فقيل له عبت على عثمان ثم صليت أربعا فقال الخلاف شر».
قلت: لو كان المسافر لا يجوز له الإتمام كما لا يجوز له القصر لما يتابعوا عثمان عليه إذ لا يجوز على الملأ من الصحابة متابعته على الباطل فدل ذلك على أن من رأيهم جواز الإتمام وإن كان الاختيار عند كثير منهم القصر. ألا ترى أن عبد الله أتم الصلاة بعد ذلك واعتذر بقول الخلاف شر فلو كان الإتمام لا جواز له لكان الخلاف له خيرًا لا شرًا. وفي هذا دليل على ما قلناه إلاّ أنه قد روي عن إبراهيم أنه قال إنما صلى عثمان أربعا لأنه كان اتخذها وطنا، وعن الزهري أنه قال إنما فعل ذلك لأنه اتخذ الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها.
قلت: وكان من مذهب ابن عباس أن المسافر إذا قدم على أهل أو ماشية أتم الصلاة، وقال أحمد بن حنبل بمثل قول ابن عباس.